سورة الحجرات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}
{ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} وتصدير الخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير يستدعي مزيد اعتنائهم وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه ورادع عن الإخلال به. و{تُقَدّمُواْ} من قدم المبتعدى، ومعناه جل الشيء قدمًا أي متقدمًا على غيره، وكان مقتضاه أن يتعدى إلى مفعولين لكن الأكثر في الاستعمال تعديته إلى الثاني بعلى تقول: قدمت فلانًا على فلان، وهو هنا محتمل احتمالين. الأول أن يكون مفعوله نسيا والقصد فيه إلى نفس الفعل وهو التقديم من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور ولا نظر إلى أن المقدم ماذا هو على طريقة قوله تعالى: {هُوَ الذى يحي ويميت} [غافر: 68] وقولهم: يعطي ويمنع، فالمعنى لا تفعلوا التقديم ولا تتلبسوا به ولا تجعلوه منكم بسبيل. والثاني أن يكون قد حذف مفعوله قصدًا إلى تعميمه لأنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحًا بلا مرجح يقدر أمرًا عامًا لأنه أفيد مع الاختصار، فالمعنى لا تقدموا أمرًا من الأمور، والأول قيل أوفى بحق المقام لإفادته النهي عن التبيس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه فعوله بالطريق البرهاني، ورجح الثاني بأنه أكثر استعمالًا، وبأن الأول تنزيل المتعدى منزلة اللازم وهو خلاف الأصل والثاني سالم منه، والحذف وإن كان خلاف الأصل أيضًا أهون من التنزيل المذكور لكثرته بالنسبة إليه، وبعضهم لم يفرق بينهما لتعارض الترجيح عنده وكون مآل المعنى عليهما العموم المناسب للمقام، وذكر أن في الكلام تجوزين. أحدهما في «بين» إلخ فإن حقيقة قولهم بين يدي فلان ما بين العضوين فتجوز بذلك عن الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبًا منه باطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما فهو من المجاز المرسل. ثانيهما استعارة الجملة وهي التقدم بين اليدين استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته تصوير الهجنته وشناعته بصورة المحسوس فيما نهوا عنه كتقدم الخادم بين يدي شيده في سيره حيث لا مصلحة، المراد من {لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} لا تقطعوا أمرًا وتجزموا به وتجترؤوا على ارتكابه قبل أن يحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم به ويأذنا فيه، وحاصله النهي عن الأقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة.
وجوز أن يكون {تُقَدّمُواْ} من قدم اللازم عنى تقدم كوجه وبين، ومنه مقدمة الجيش خلاف ساقته وهي الجماعة المتقدمة منه، ويعضده قراءة ابن عباس. وأبي حيوة. والضحاك. ويعقوب. وابن مقسم {لاَ تُقَدّمُواْ} بفتح التاء والقاف والدال، وأصله تتقدموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا لأنه من التفعل وهو المطاوع اللازم، ورجح ما تقدم بما سمعت وبأن فيه استعمال أعرف اللغتين وأشهرهما، لا يقال: الظرف إذا تعلق به العامل قد ينزل منزلة المفعول فيفيد العموم كما قرروه في{مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] فليكن الظرف هاهنا نزلة مفعول التقدم مغنيًا غناءه، والتقدم بين يدي المرء خروج عن صفة المتابعة حسًا فهو أوفق للاستعارة التمثيلية المقصود منها تصوير هجنة الحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته بصورة المحسوس، فتخريج {لاَ تُقَدّمُواْ} على اللزوم أبلغ ولا يضره عدم الشهرة فإنه لا يقاوم إلا بلغية المطابقة للمقام لما أشار إليه في الكشف من أن المراد النهي عن مخالفة الكتاب والسنة، والتعدية تفيد أن ذلك بجعل وقصد منه للمخالفة لأن التقديم بين يدي المرى أن تجعل أحدًا أما نفسك أو غيرك متقدمًا بين يديه وذلك أقوى في الذم وأكثر استهجانًا للدلالة على تعمد عدم المتابعة لا صدورها عنه كيفما اتفق فافهم ولا تغفل.
وجوز أن يكون {بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} من باب أعجبني زيد وكرمه فالنهي عن التقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل: لا تقدموا بين يدي رسول الله، وذكر الله تعالى لتعظيمه عليه الصلاة والسلام والإيذان بجلالة محله عنده عز وجل ومزيد اختصاصه به سبحانه، وأمر التجوز عليه على حاله، وهو كما قال في الكشف أوفق لما يجيء بعده، فإن الكلام مسوق لاجلاله عليه الصلاة والسلام، وإذا كان استحقاق هذا الإجلال لاختصاصه بالله جل وعلا ومنزلته منه سبحانه فالتقدم بين يدي الله عز شأنه أدخل في النهي وأدخل. وإن جعل مفصودًا بنفسه على ما مر فالنهي عن الاستبداد بالعمل في أمر ديني لا مطلقًا من غير مراجعة إلى الكتاب والسنة، وعليه تفسير ابن عباس على ما أخرجه ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وأبو نعيم في الحلية عنه أنه قال: أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وكذا ما أخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عنه قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه بل عليهم أن يصغوا ولا يتكلموا.
ووجه الدلالة على هذا أن كلامه عليه الصلاة والسلام أريد به ما ينقله عنه تعالى ولفظه أيضًا، وما اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان المعنى من الوحي أو أراد كلام كل واحد من الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام، وما أخرج عبد بن حميد. والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن مجاهد أنه قال في ذلك: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه يخرج على نحو التخريج الأول لكلام ابن عباس ويكون مؤيدًا له، وبعضهم يروى أنه قال: لا تفتاتوا على الله تعالى شيئًا حتى يقصه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل مؤيدًا لكلام ابن عباس أيضًا، وفسر التقدم بين يدي الله تعالى لأن التقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام مكشوف المعنى، ثم إن كل ذلك من باب بيان حاصل المعنى في الجملة.
وفي الدر المنثور بعد ذكر المروى عن مجاهد حسا ذكرنا قال الحفاظ: هذا التفسير على قراءة {تُقَدّمُواْ} بفتح التاء والدال وهي قراءة لبعضهم حكاها الزمخشري وأبو حيان وغيرهما، وكأن ذلك مبني على أن {تُقَدّمُواْ} على هذه القراءة من قدم كعلم إذا مضى في الحرب ويأتي من باب نصر أيضًا إذ الافتيات وهو السبق دون ائتمار من يؤتمر أنسب بذلك.
واختار بعض الأجلة جعله من قدم من سفره من باب علم لا غير كما يقتضيه عبارة القاموس، وعليه يكون قد شبه تعجيلهم في قطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره إيذانًا بشدة رغبتهم فيه نحو {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23] واختلف في سبب النزول، فأخرج البخاري. وابن المنذر. وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: «قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى: {عَظِيمًا ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} حتى انقضت الآية» وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر عن الحسن أن أناسًا ذبحوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يعيدوا ذبحًا فأنزل الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} الخ، وفي الكشاف عنه أن أناسًا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحًا آخر، والأول ظاهر في أن النزول بعد الأمر والذبح قبل الصلاة يستلزم الذبح قبل رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينحر بعدها كما نطقت به الأخبار، وإلى عدم الأجزاء قبل ذهب الإمام أبو حنيفة والأخبار تؤيده، أخرج الشيخان. والترمذي. وأبو داود. والنسائي عن البراء قال: «ذبح بردة بن نيار قبل الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبدلها فقال: يا رسول الله ليس عندي إلا جذعة فقال صلى الله عليه وسلم: اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك» وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما نبدى به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء».
وكان أبو بردة بن نيار قد ذبح قبل الصلاة الحديث، وفي المسألة كلام طويل محله كتب الفروع فراجعه أن أردته، وعن الحسن أيضًا لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أتته الوفود من الآفاق فأكثروا عليه بالمسائل فنهوا أن يبتدءوه بالمسألة حتى يكون عليه الصلاة والسلام هو المبتدىء، وأخرجّابن جرير. وغيره عن قتادة قال: ذكر لنا أن ناسًا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا لكان كذا وكذا فكره الله تعالى ذلك وقدم فيه.
وقيل: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلًا عليهم المنذر بن عمرو الساعدي فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بني سليم قرب المدينة فاعتزيا لهم إلى بني عامر لأنهم أعز من سليم فقتلوهما وسلبوهما ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئسما صنعتم كانا من سليم أي كانا من أهل العهد لأنهم كانوا معاهدين والسلب ما كسوتهما فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ونزلت أي لا تعملوا شيئًا من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن ناسًا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {عَظِيمًا ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} وفي رواية عن مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت قد تبنته في اليوم الذي يشك فيه فقالت للجارية: أسقيه عسلا فقلت: إني صائم فقالت: قد نهى الله تعالى عن صوم هذا اليوم وفيه نزلت {عَظِيمًا ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ} الخ، فالمعنى كما في المعالم لا تصوموا قبل صوم نبيكم، وأول هذا صاحب الكشف فقال: الظاهر عندي أنها استدلت بالآية على أنه ينبغي أن يتمثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه، وقد نهى عليه الصلاة والسلام وفيه نزلت أي في مثل هذا لدلالتها على وجوب الاتباع والنهي عن الاستبداد إذ لا يلوج ذلك التفسير على وجه ينطبق على يوم الشك وحده إلا بتكلف، وهذا نظير ما نقل عن ابن مسعود في جواب المرأة التي اعترضت عليه أنه قرأت كتاب الله وما وجدت اللعن على الواشمة كما ادعاه رضي الله تعالى عنه من قوله: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما رأيت {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] قالت: بلى قال: فإنه نهى عنه.
وأنت تعلم بعد الرواية الأولى عن هذا التأويل، ويعلم من هذه الروايات وغيرها أنهم اختلفوا أيضًا في تفسير التقدم، وفي كثير منها تفسيره بخاص، وقال بعضهم: إن الآية عامة في كل قول وفعل ويدخل فيها أنه إذا جرت مسألة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسبقوه في الجواب، وأن لا يمشي بين يديه إلا للحاجة، وأن يستأني في الافتتاح بالطعام، ورجح بأنه الموافق للسياق ولما عرف في الأصول من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي الكلام عليه بناء على ما قاله الطيبي مجاز باعتبار القدر المشترك الصادق على الحقيقة أيضًا دون التمثيل وتشبيه المعقول بالمحسوس ويسمى في الأصول بعمون المجاز وفي الصناعة بالكناية لأنها لا تنافي إرادة الحقيقة أيضًا؛ ومن هنا يجوز إرادة لا تمشوا بين يديه صلى الله عليه وسلم؛ وذكر عليه الرحمة أنه لا يقدر على هذا القول مفعول بل يتوجه النهي إلى نفس الفعل فتأمل، ويحتج بالآية على اتباع الشرع في كل شيء وهو ظاهر مما تقدم، ورا احتج بها نفاة القياس وهو كما قال الكيا باطل منهم. نعم قال الجلال السيوطي: يحتج بها على تقديم النص على القياس، ولعله مبني على أن العمل بالنص أبعد من التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم: {واتقوا الله} أي في كل ما تأتون وتذرون من الأقوال والأفعال التي من جملتها ما نحن فيه {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لكل مسموع ومنه أقوالكم {عَلِيمٌ} بكل المعلومات ومنها أفعالكم فمن حقه أن يتقي ويراقب.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}
{عَلِيمٌ ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى} شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل، وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة في الايقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أي لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد سيبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته. وقرأ ابن مسعود {لاَ تَرْفَعُواْ} بتشديد {لاَ تَرْفَعُواْ} وزيادة الباء وقد شدد الأعلم الهذلي في قوله:
رفعت عيني بالحجا *** زالي أناس بالمناقب
والتشديد فيه للمبالغة كزيادة الباء في القراءة إلا أن ليس المعنى فيها أنهم نهوا عن الرفع الشديد تخيلًا أن يكون ما دون الشديد مسوغًا لهم، ولكن المعنى نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة واستجفاؤهم فيما كانوا يفعلون، وهو نظير قوله تعالى: {ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130].
{وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي جهرًا كائنًا كالجهر لأالجاري فيما بينكم، فالأول نهى عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم وهذا نهى عن مساواة جهرهم لجهره عليه الصلاة والسلام فإنه المعتاد في مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض، ويفهم من ذلك وجوب الغض حتى تكون أصواتهم دون صوته صلى الله عليه وسلم، وقيل: الأول مخصوص كالمته صلى الله عليه وسلم لهم وهذا بصمته عليه الصلاة والسلام كأنه قيل: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوته إذا نطق ونطقتم ولا تجهروا له بالقول إذا سكت وتكلمتم، ويفهم أيضًا وجوب كون أصواتهم دون صوته عليه الصلاة والسلام، فأيًا ما كان يكون المآل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته صلى الله عليه وسلم وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها، ومن هنا قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بعد نزول الآية كما أخرج عبد بن حميد. والحاكم. وصححه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة: {والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله تعالى».
وفي رواية أنه قال: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى، وكان إذا قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله تعالى عنه كما في صحيح البخاري. وغيره عن ابن الزبير إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه، وقيل: معنى {ولا تجهروا له بالقول} إلخ ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضًا وخاطبوه بالنبي والرسول، والكلام عليه أبعد عن توهم التكرار لكنه خلاف الظاهر لأن ذكر الجهر عليه لا يظهر له وجه، وكان الظاهر أن يقال مثلًا: ولا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم بعضًا.
{أَن تَحْبَطَ أعمالكم} تعليل لما قبله من النهيين على طريق التنازع بتقدير مضاف أي كراهة أن تحبط أعمالكم، والمعنى إني أنهاكم عما ذكر لكراهة حبوط أعمالكم بارتكابه أو تعليل للمنهى عنه، وهو الرفع والجهر بتقدير اللام أي لأن تحبط، والمعنى فعلكم ما ذكر لأجل الحبوط منهى عنه، ولام التعليل المقدرة مستعارة للعاقبة التي يؤدي إليها الفعل لأن الرفع والجهر ليس لأجل الحبوط لكنهما يؤديان إليه على ما تعلمه إن شاء الله تعالى، وفرق بينهما بما حاصله أن الفعل المنهى معلل في الأول والفعل المعلل منهى في الثاني وأيهما كان فمرجع المعنى إلى أن الرفع والجهر كلاهما منصوص الاداء إلى حبوط العمل، وقراءة ابن مسعود. وزيد بن علي {فتحبط} بالفاء أظهر في التنصيص على أدائه إلى الإحباط لأن ما بعد الفاء لا يكون إلا مسببًا عما قبلها، وقوله تعالى: {بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} حال من فاعل {تَحْبَطَ} ومفعول {تَشْعُرُونَ} محذوف بقرينة ما قبله أي والحال أنتم لا تشعرون أنها محبطة، وظاهر الآية مشعر بأن الذنوب مطلقًا قد تحبط الأعمال الصالحة؛ ومذهب أهل السنة أن المحبط منها الكفر لا غير، والأول مذهب المعتزلة ولذا قال الزمخشري: قد دلت الآية على أمرين هائلين. أحدهما أن فيما يرتكب من الآثام ما يحبط عمل المؤمن. والثاني أن في أعماله ما لا يدري أنه محبطط ولعله عند الله تعالى محبط.
وأجاب عن ذلك ابن المنير عليه الرحمة بأن المراد في الآية النهي عن رفع الصوت على الإطلاق، ومعلوم أن حكم النهي الحذر مام يتوقع في ذلك من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، والقاعدة المختارة أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق فورد النهي عما هو مظنة لأذى النبي صلى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أولًا حماية للذريعة وحسا للمادة، ثم لما كان هذا المنهى عنه منقسمًا إلى ما يبلغ مبلغ الكفر وهو المؤذى له عليه الصلاة والسلام وإلى ما لا يبلغ ذلك المبلغ ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقًا خوف أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد الأذى اذ لا دليل ظاهرًا يميزع، وإن كان فلا يتفق تمييزه في كثير من الأحيان، وإلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله سبحانه: {أَن تَحْبَطَ أعمالكم وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} وإلا فلو كان الأمر على ما يعتقده الزمخشري لم يكن لقوله سبحانه: {وَأَنتُمْ لاَ} موقع إذ الأمر منحصر بين أن يكون رفع الصوت مؤذيًا فيكون كفرًا محبطًا قطعًا وبين أن يكون غير مؤذ فيكون كبيرة محبطة على رأيه قطعًا، فعلى كلا حاليه الإحباط به محقق إذن فلا موقع لادعام الكلام بعدم الشعور مع أن الشعور ثابت مطلقًا، ثم قال عليه الرحمة: وهذا التقدير يدور على مقدمتين كلتاهما صحيحة.
احداهما أن رفع الصوت من جنس ما يحصل به الأذى وهذا أمر يشهد به النقل والمشاهدة حتى أن الشيخ ليتأذى برفع التلميذ صوته بين يديه فكيف برتبة النبوة وما تستحقه من الاجلال والأعظام. ثانيتهما أن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كفر وهذا ثابت قد نص عليه ائمتنا وأفتوا بقتل من تعرض لذلك كفرًا ولا تقبل توبته فما أتاه أعظم عند الله تعالى وأكبر انتهى.
وحاصل الجواب أنه لا دليل في الآية على ما ذهب إليه الزمخشري لأنه قد يؤدي إلى الإحباط إذا كان على وجه الإيذاء أو الاستهانة فنهاهم عز وجل عنه وعلله بأنه قد يحبط وهم لا يشعرون، وقيل: يمكن نظرًا للمقام أن يمنزل إذا هم رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع الصوت منزلة الكفر تغليظًا إجلالًا لمجسله صلوات الله تعالى عليه وسلامه ثم يرتب عليه ما يرتب على الكفر الحقيقي من الإحباط كقوله تعالى: {ءامِنًا وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} إلى قوله سبحانه: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} [آل عمران: 97] ومعنى {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} عليه وأنتم لا تسعرون أن ذلك نزلة الكفر المحبط وليس كسائر المعاصي، ولا يتم بدون الأول، وجاز كما في الكشف أن يكون المراد ما فيه استهانة ويكون من باب {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} [القصص: 86] مما الغرض منه التعريض كيف وهو قول منقول عن الحسن كما حكاه في الكشاف، وقال أبو حيان: إن كانت الآية ن يفعل ذلك استخفافًا فذلك كفر يحيط معه العمل حقيقة، وإن كانت للمؤمن الذي يفعله غلبة وجريًا على عادته فإنما يحبط عمله البر في توقير النبي صلى الله عليه وسلم وغض الصوت عنده أن لو فعل ذلك كأنه قيل: مخافة أن تحبط الأعمال التي هي معدة أن تعملوها فتؤجروا عليها، ولا يخفى ما في الشق الثاني من التلكف البارد، ثم إن من الجهر ما لم يتناوله النهي بالاتفاق وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو ارهاب عدو أو ما أشبه ذلك ما لا يتخيل منه تأذ أو استهانة، ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال للعباس بن عبد المطلب لما ولى المسلمون يوم حنين: ناد أصحاب السمرة فنادى بأعلى صوته أين أصحاب السمرة، وكان رجلًا صيتا.
يروى أن غارة أتتهم يومًا فصاح العباس يا صباحاه فأسقط الحوامل لشدة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعدة:
زجر أبي عروة السباع إذا *** أشفق أن يختلطن بالغنم
زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وذكروا أنه سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فكيف لا تفتق مرارة الغنم؟ فقال: لأنها ألفت صوته، وروى البخاري. ومسلم عن أنس لما نزلت هذه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار واحتبس فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى؟ قال سعد: إنه جاري وما علمت له بشكوى فأتاه سعد فقال: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم إني أرفعكم صوتًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو من أهل الجنة، وفي رواية أنه لما نزلت دخل بيته وأغلق عليه بابه وطفق يبكي فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأن ثابت؟ قالوا: يا رسول الله ما ندري ما شأنه غير أنه أغلق باب بيته فهو يبكي فيه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فسأله ما شأنك؟ قال: يا رسول الله أنزل الله عليك هذه الآية وأنا شديد الصوت فأخاف أن أكون قد حبط عملي فقال صلى الله عليه وسلم: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير، والظاهر أن ذلك منه رضي الله تعالى عنه كان من غلبة الخوف عليه وإلا فلا حرمة قبل النهي، وهو أيضًا أجل من أن يكون ممن كان يقصد الاستهانة والإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم برفع الصوت وهم المنافقون الذين نزلت فيهم الآية على ما روي عن الحسن وإنما كان الرفع منه طبيعة لما أنه كان في أذنه صمم وعادة كثير ممن به ذلك رفع الصوت، والظاهر أنه بعد نزولها ترك هذه العادة، فقد أخرج الطبراني والحاكم وصححه أن عاصم بن عدي بن العجلان أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحاله فأرسله إليه فلما جاء قال: ما يبكيك يا ثابت؟ فقال: أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في فقال له عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة؟ قال: رضيت ولا أرفع صوتي أبدًا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستدل العلماء بالآية على المنع من رفع الصوت عند قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، وعند قراءة حديثه عليه الصلاة والسلام لأن حرمته ميتًا كحرمته حيًا. وذكر أبو حيان كراهة الرفع أيضًا بحضرة العالم، وغير بعيد حرمته بقصد الإيذاء والاستهانة لمن يحرم إيذاؤه والاستهانة به مطلقًا لكن للحرمة مراتب متفاوتة كما لا يخفى.


{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
وقوله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله} إلخ ترغيب في الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب عن الإخلال به أي يحفظونها مراعاة للأدب أو خشية من مخالفة النهي {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهدب المشار إليه لما مر مرارًا من تفخيم شأنه؛ وهو مبتدأ خبره {الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} والجملة خبر إن، وأصل معنى الامتحان التجربة والاختبار، والمراد به هنا لاستحالة نسبته إليه تعالى التمرين بعلاقة اللزوم أي أنهم مرن الله تعالى قلوبهم للتقوى. وفي الكشف الامتحان كناية تلويحية عن صبرهم على التقوى وثباتهم عليها وعلى احتمال مشاقها لأن الممتحن جرب وعود منه الفعل مرة بعد أخرى فهو دال على التمرن الموجب للاضطلاع، والإسناد إليه تعالى للدلالة على التمكين، ففيه على ما قيل مع الكناية تجوز في الإسناد والأصل امتحنوا قلوبهم للتقوى بتمكين الله تعالى لهم، وكأنه إنما اعتبر ذلك لأنه لا يجوز إرادة المعنى الموضوع له هنا فلا يصح كونه كناية عند من يشترط فيها إرادة الحقيقة، ومن اكتفى فيها بجواز الإرادة وإن امتنعت في محل الاستعمال لم يحتج إلى ذلك الاعتبار. واختار الشهاب كون الامتحان مجازًا عن الصبر بعلاقة اللزوم، وحاصل المعنى عليه كحاصله على الكناية أي أنهم صبر على التقوى أقوياء على مشاقها أو المراد بالامتحان المعرفة كما حكي عن الجبائي مجازًا من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب، والمعنى عرف الله قلوبهم للتقوى، وإسناد المعرفة إليه عز وجل بغير لفظها غير ممتنع وهو في القرآن الكريم شائع، على أن الصحيح جواز الإسناد مطلقًا لما في «نهج البلاغة» من إطلاق العارف عليه تعالى، وقد ورد في الحديث أيضًا على ما ادعاه بعض الأجلة، واللام صلة لمحذوف وقع حالًا من {قُلُوبِهِمْ} أي كائنة للتقوى مختصة بها، فهو نحو اللام في قوله:
وقصيدة رائقة ضوعتها *** أنت لها أحمد من بين البشر
وقوله:
أعداء من لليعملات على الوجى *** وأضياف ليل بيتوا للنزول
أو هي صلة لامتحن باعتبار معنى الاعتياد أو المراد ضرب الله تعالى قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى أي لتظهر ويعلم أنهم متقون إذ لا تعلم حقيقة التقوى إلا عند المحن والاصطبار عليها، وعلى هذا فالامتحان هو الضرب بالمحن، واللام للتعليل على معنى أن ظهور التقوى وهو الغرض والعلة وإلا فالصبر على المحنة مستفاد من التقوى لا العكس، أو المراد أخلصها للتقوى أي جعلها خالصة لأجل التقوى أو أخلصها لها فلم يبق لغير التقوى فيها حق كأن القلوب خلصت ملكًا للتقوى، وهذا أبلغ وهو استعارة من امتحان الذهب وإذابته ليخلص ابريزه من خبثه وينقي أو تمثيل، وتفسير {امتحن} بأخلص رواه ابن جرير.
وجماعة عن مجاهد، وروي ذلك أيضًا عن الكعبي. وأبي مسلم، وقال الواحدي: تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه وليس بذاك. واختار صاحب الكشف ما نقل عنه أولًا فقال: الأول أرجح الوجوه لكثرة فائدته من الكناية والإسناد والدلالة على أن مثل هذا الغض لا يتأتى إلا ممن هو مدرب للتقوى صبور عليها فتأمل {لَهُمْ} في الآخرة {مَغْفِرَةٍ} لذنوبهم {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} لغضهم أصواتهم عند النبي عليه الصلاة والسلام ولسائر طاعاتهم، وتنكير {مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ} للتعظيم، ففي وصف أجر بعظيم مبالغة في عظمه فإنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجملة {لَهُمْ} إلخ مستأنفة لبيان جزاء الغاضين إحمادًا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين، والمبتدأ اسم الإشارة المتضمن لما جعل عنوانًا لهم، والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الاعتداد بغضهم والارتضاء له وتعريضًا بشناعة الرفع والجهر وإن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك، وقيل الجملة خبر ثان لإن وليس بذاك، والآية قيل: أنزلت في الشيخين رضي الله تعالى عنهما لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار بعد نزول الآية السابقة وفي حديث الحاكم. وغيره عن محمد ثابت بن قيس أنه قال بعد حكاية قصة أبيه وقوله: لا أرفع صوتي أبدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله} الآية.
وأنت تعلم أن حكمها عام ويدخل الشيخان في عمومها وكذا ثابت بن قيس. وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما أنزل الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهم ثابت بن قيس بن شماس.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6